الخميس، 17 مارس 2022

كتبت : حنان أبو بكر محمود

منذ ذلك اليوم الذي عملت به في تلك المشفى وانقلبت حياتي رأساً على عقب، لست بطبيب أو ممرض ولكني فقط شاب ثلاثيني لم تفيدني شهادتي الدراسية بشيئ فإتجهت للعمل الحر الذي رضيت بالقليل منه، وما كان سوي حارس على تلك البوابة في المشفى، سأسميها فقط البوابة لأنني مازلت أجهل ما خلفها في تلك الغرفة! ،يذهب الجميع ليلاً وابقى أنا هنا، كنت أتناوب مع زميل آخر منذ شهر ولكن بعد وفاته أصبحت أنا أعمل مكانه بضعف الأجر، لا يهمني كمّ المشقة والإجهاد طوال اليوم مادام أجرى قد إزداد وأصبح يكفيني أنا وزوجتي، لم يرزقنا الله بأطفال حتى الآن وهذا لطف منه حتى يتعدل الحال، كان مدير المشفى يشفق على حالي خصوصاً بأن الكثير مايقولون شائعات حول تلك الغرفة وأصبح لا يتقدم أحد للعمل بها، ولكني لا أبالي أنا فقط أركض وراء لقمة العيش،أنا هنا أعمل فقط بدون أي ثرثرة حتى أنني لم أخبرهم برؤيتي لصديقي بعد وفاته على مدار ذلك الشهر ولكني لم أحدثه ولو مرة واحدة! ولكنه يبقى معي طوال اليوم ليس فقط في وقت مناوبته، أراه يومياً على نفس الحالة عندما كان يعمل هنا ولكني أتجاهله حتى لا يتهمني البعض بالجنون، خاصةً لأنني علمت بأن تلك الغرفة ما هي إلا مشرحة قديمة في تلك المشفى! يريدون تجديدها ولكن لا أعلم سبب إغلاقها من الأساس ولست مهتم على أي حال، أنشغل دائماً في عملي حتى لا ألفت الإنتباه، أنتظر ميعاد الغداء الذي تأتي فيه زوجتي يومياً ومعها حقيبة محملة بأشهي الأطعمة حتى أتغذي كما تقول، ولكن يبدو عليها الحزن منذ شهر تقريباً، أعلم بأنني مُقصر معها، فزوجتي مثالية بحق!، أخشى أحياناً بأنني لا أستحقها، ولكنها دائماً ما تبتسم في وجهي وتربت على كتفي وهي تقول "انت تعمل ليل نهار من أجلي وهذا يكفيني، فقط استريح ولا تشغل بالك بشيئ مادمت معي"، يبدو أن لطافة وحنية العالم قد إجتمعت بقلبها من أجلي!، حسناً سأشتري لها ورد چوري اليوم كما تحبه وأُمحي ذلك الحزن من وجهها، ولكن مازلت أجهل لما تأتي بطعام يكفي المشفى بأكملها هكذا؟!، بل وبالفعل تقوم بالتوزيع عليهم جميعاً!، ولكن ما ادهشني حقاً هو إبتسامتها المجاملة بإنكسار لصديقي المتوفي وهي تعطيه نصيبه من الطعام!، وقد وقع علىَّ جملته كالصاعقة وهو يبتسم بحزن ويدعو لي بالرحمة والمغفرة!! الكاتبة/حنان أبو بكر محمود المحافظة/ القليوبية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دمتم بخير

" كيف هي الحياة " للكاتبة جنى خليل

"ڪيف هي الحياة معك يا قارئي، أحزينٌ عابسٌ أم أنَّك مشرقٌ، للحياة مبتسم؟ هل تسري مياهك في مجاريها أم أنَّ التيارَ انجرف بك بعيدًا عن مجر...